يا سيِّدتي :
أطلبُ عَفْوَكِ ..
إِنْ لم أكتبْ في عَيْنَيْكِ قصيدةَ شِعْرٍ
إِنَّ العازِفَ نَسِيَ العَزْفَا .
كيفَ أُحِبّكِ ، يا سيِّدتي ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ ،
تُلْقي القَبْضَ على الأَحلامِ ..
وتُرْسِلُ أهلَ العِشْقِ إلى المَنْفَى ..
4
يا سيِّدتي .. يا سيِّدتي
كنتُ قديماً أَقرأُ جِسْمَكِ
سَطْراً سَطْراً ..
حَرْفاً حرْفا ..
كنتُ قديماً أُشْعِلُ في نِهْدَيكِ النارَ ..
وأزرعُ بينهما سَيْفَا ..
أَمَّا اليومَ .. فأَصْبَحَ شَكْلُ النَهْدِ ،
يُشَابِهُ أسوارَ المَنْفَى ..
يا سيِّدتي . يا لُؤلُؤتي . يا واحِدَتي .
كيفَ أُمارسُ فِعْلَ الحُبِّ ..
وطَعْمُ الجِنْسِ لهُ طَعْمُ المَنْفَى ؟؟
5
يا سيِّدتي :
كيفَ أُقاومُ هذا العَصْرَ المَمْلُوكيَّ ،
وهذا الحِقْدَ النيرُونيَّ ،
وهذا القَتْلَ المَجَّانِيَّ ،
وهذا العُنْفَا ؟
كيفَ سأُوقفُ هذا المدَّ اللاقوميَّ ،
وهذا الفكرَ التجزيئيَّ ،
وهذا المَطَرَ الكبريتيَّ ،
وهذا النَزفَا ؟
كيف نُعبِّرُ عن مأزِقِنَا ؟
كيف نُعبِّرُ عمَّا يُكْسَرُ في داخِلِنَا ؟
كيفَ سنتلو آيَ الذِكْرِ على جُثَّتِنا ؟
إِنَّ مباحثَ أَمْنِ الدولةِ تطلبُ منَّا
أَنْ لا نَضْحَكَ ..
أَنْ لا نَبكيَ ..
أَنْ لا ننطُقَ ..
أَنْ لا نَعْشَقَ ..
أَنْ لا نلمِسَ كفَّ امرَأَةٍ ..
أَنْ لا نُنْجِبَ ولداً ..
أَنْ لا نُرْسِلَ أَيَّ خِطابٍ
أَنْ لا نَقْرَأَ أَيَّ كتابٍ
إِلا عنْ أَحْوَالِ الطَقْسِ ، وإِلا عَنْ أَسرَارِ الطَبْخِ
فتلكَ قَوَانينُ المَنْفَى ...
6
يا سيِّدتي :
ماذا أفعلُ لو جاءَتْني أُمِّي في الأَحْلامْ ؟
مَاذا أَفْعلُ لو ناداني فُلُّ دِمشْقَ ..
وعاتَبَني تُفَّاحُ الشَامْ ؟
ماذا أَفْعَلُ لو عَاوَدَني طَيْفُ أَبي ؟
فالتجأَ القَلْبُ إِلى عَيْنَيْهِ الزَرْقَاوَيْنِ ..
كسِرْب حَمَامْ ..
يا سيِّدتي :
كيفَ أقولُكِ شِعْراً ؟
كيفَ أقولُكِ نَثْراً ؟
كيف أقولُكِ ، يا سيِّدتي ، دُونَ كلامْ ؟
7
يا سيِّدتي :
كيفَ أُبَشِّرُ بالحُريَّة ..
حينَ الشمسُ تواجهُ حكماً بالإِعدَامْ ؟
كيفَ سآكُلُ من غير طَعَامْ ؟
يا سيِّدتي :
إِنِّي رَجُلٌ لم يَتَخَرَّجُ من بَارَات السُلْطَةِ ،
في أَحَدِ الأَيَّامْ ...
أَو أشْغلتُ وظيفةَ قِرْدٍ ..
بينَ قُرُودِ وزاراتِ الإِعلامْ !!
يا سيِّدتي :
إِنِّي رجلٌ لا أَتَوارَى خَلْفَ حُرُوفي
أو أتخبَّأُ تحتَ عَبَاءةِ أيّ إِمَامْ ..
يا سيِّدتي : لا تَهْتَمِّي .
فأنا أعرفُ كيفَ أكونُ كبيراً ..
في عَصْر الأَقزامْ ...
*
8
يا سيِّدتي : لا تَهتَمّي
سوفَ أَظلُّ أُحِبُّكِ ..
حتَّى أَفْتَحَ نَفَقَاً تحتَ البَحرِ ..
وأثقبَ حيطانَ المَنْفى .
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
لا تَهْتَمِّي ..
إِنَّ المَنْفَى في غاباتِ الكُحْلِ الأَسْوَدِ
ليسَ بمنْفَى ...